الدولار ....سلاح الاقتصاد والسياسة/يحي عبد الله طالب

ثلاثاء, 12/31/2019 - 21:32

الدولار ....... سلاح الاقتصاد و السياسة 

شكل مؤتمر باريس 1867م بداية للنظام النقدي العالمي الذي بموجبه تم اعتماد الذهب كمعيار مالي وحيد ما يعني أنه لا يمكن للدول إصدار عملات محلية إلا إذا كانت مدعومة بالذهب ، ولكن هذا النظام النقدي تم إلغائه واستبداله بعدذلك  بمخرجات اتفاقية  "بريتون وودز".....

 ماهي اتفاقية بريتون وودز Bretton Woods  ؟؟

في عام 1944م وفي مدينة بريتون وودز الأمريكية ، اتفقت مجموعة من الدول الكبرى(22 دولة ) تتقدمها الولايات المتحدة على إحلال الدولار محل الذهب ليصبح البديل الذي على الدول أن تمتلكه لكي تكون قادرة على إصدار عملات محلية ، وهو مانتج عنه حتمية استبدال الكمية الهائلة التي تمتلكها الدول من الذهب بعملة الدولار ، وبما أن البنك الفيدرالي الامريكي هو وحده الذي يحق له حصراً طباعة الدولار فقد قامت الدول بإيداع ذهبها فيه مقابل تزويدها بالدولار 
وبموجب هذه الاتفاقية أيضا تم تأسيس " البنك الدولي" و "صندوق النقد الدولي" 

أهداف صندوق النقد الدولي والبنك الدولي :

 من الناحية الرسمية تكمن وظيفة المؤسستين الدوليتين الاساسية في العمل على استقرار النظام المالي العالمي وفي مساعدة البلدان التي تعاني من أزمات مالية واقتصادية على معالجة ما تعانيه من مشاكل وصعوبات ، غير أن هذه الاهداف المعلنة ليست إلا تغطية لاهداف استعمارية للسيطرة على ثروات الشعوب والتحكم في مصيرها وقرارها السياسي 
حيث يعتبر أغلب خبراء الاقتصاد أن هذه المؤسسات هي أحد أبرز دوائر النفوذ التي تتحكّم في العالم وتعمل لخدمة "النظام العالمي الجديد"  الذي تقوده الولايات المتحدة .
تقوم هذه المؤسسات بإقراض الدول الفقيرة بقصد "التنمية"  مطبقة شروطا خاصة بها والتي عادةً ما تكون ضدّ مصلحة الدول الفقيرة بل وتزيدها فقرا و مشكلات ، فتشترط مثلا خفض سعر صرف العملة المحلية بهدف جذب السيولة المتدفقة نحو السوق السوداء للدولار، وتقليص مخصصات الدعم في الموازنة، فضلاً عن خفض النفقات الحكومية عن طريق زيادة الضرائب ورفع الدعم عن المواد الأساسية و هو ما ينتج زيادة في التضخم وارتفاع في نسبة البطالة وبالتالي المزيد من القروض لسد العجز ما يعني مزيدا من المشاكل لا حصر لها ،  و تقلص في الطبقة الوسطى  وتوسع الطبقات الهشة والفقيرة ....وهذه حلقة مفرغة من الصعب الخروج منها .
 وقد سئل مهاتير محمد قائد النهضة الماليزية الحديثة ذات يوم : كيف نهضت ماليزيا فقال: "خالفت توصيات صندوق النقد الدولي، وفعلت عكس ما طلبه من إجراءات" 
وبما أن الولايات المتحدة هي الراعي الرسمي للنظام المالي الجديد فقد أصبح  الدولار عملة للنظام المالي العالمي وهو ماجعله أقوى سلاح اقتصادي تملكه الولايات المتحدة ، وفي إحدى الاستطلاعات التي أجرتها جامعة هارفارد بينت أنّ حصة التجارة العالمية التي تم تحرير فواتيرها بالدولار هي أكثر من ثلاثة أضعاف حصة الولايات المتحدة من الصادرات العالمية. ووفقًا لصندوق النقد الدولي، لا يزال الدولار يمثل 62 بالمئة تقريبًا من جميع الاحتياطيات السيادية، فيما يبلغ اليورو 20 بالمئة.

إتفاقية البيترودولار PÉTRODOLLARS 

كانت هذه الاتفاقية نقطة تحول في هيمنة الدولار على النظام المالي العالمي ،فضمانا للطلب العالمي على الدولار عمدت الولايات المتحدة إلى ربط عملتها بالذهب الاسود " النفط" ، ففي عام 1973م وقع هينري كيسنجر وزير الخارجية الامركي الشهير مع الملك فيصل اتفاقية تقوم بموجبها السعودية - أكبر مصدر للنفط في العالم - ببيع نفطها حصرا بالدولار مقابل دعم سياسي و صفقات للاسلحة ، كما قامت السعودية بإقناع مجموعة الدول المصدرة للنفط ( OPEC) ببيع نفطها كذلك بالدولار فقط . 
ومنذ تلك اللحظة أصبح الدولار سيّد التعاملات النفطية في العالم ولا يمكن لأي دولة شراء النفط إلا بالعملة الآمريكية ، ليصير الدولار  بعدها مهيمنا على النظام المالي العالمي ، ورغم انهيار الدولار نهاية عام2007م إلى بداية  عام2008م  ووصل إلى أدنى مستوياته في التاريخ وذلك بسبب الأزمة المالية وأزمة الرهن العقاري حيث سجل اليورو مستوى قياسي أمام الدولار في شهر مارس 2008م وصل إلى 1.60 وسجل الجنيه الأسترليني أكثر من 2 دولار وهبط الدولار دون الفرنك السويسري لأول مرة في التاريخ ووصل إلى أدنى مستوياته في 13 عاما أمام الين الياباني دون 97 ين وهبط أيضا أمام غالبية العملات العالمية ؛ رغم هذه الازمة الكبيرة إلى أنه عاد وبسرعة إلى سابق عهده وليفرض سيطرة مالية عالمية إلى يومنا هذا . 
وقد مكنت قوة الاقتصاد الناتجة عن قوة الدولار أمريكا من امتلاك سلاح قوي استخدمته كثيرا عبر تاريخها ضد كل من يحاول التحرر من الإمبريالية الامربكية ، ألا و هو سلاح العقوبات الاقتصادية . 
من الأمثلة الواضحة على تأثير هذه العقوبات التي يفوق أحيانا تدميرها تدمير الحروب ماحصل في العراق ، حين خاض العراق حربا استمرت 8 أعوام مع إيران لم يعاني شعبه مثل معاناته حين فرضت الدول العظمى عقوبات قاسية بعد غزوه للكويت 1990م ، و كذلك العقوبات الأمريكية العام الماضي على تركيا التي توعد دونالد ترامب " بتدمير اقتصادها " حسب تعبيره وذلك بعد أزمة القس الأمريكي الذي اعتقلته تركيا ، لتشهد الليرة التركية سقوطا مدويا كاد يعصف بالنظام المالي في تركيا ، و كذلك العقوبات على السودان و كوريا الشمالية و كوبا و فنزويلا و إيران و روسيا .... 
كلها أمثلة على سلاح مالي قوي ساهم في زيادة النفوذ والهيمنة الأمريكية على العالم ، ليبقى السؤال المطروح :

 إلى متى سيظل اقتصاد 206 دولة ( عدد الدول المعترف بها ) مرهونا بعملة دولة واحدة ؟؟؟

  يحي عبدالله طالب في جامعة نواكشوط - تخصص الاقتصاد

القسم: 

وكالة المنارة الإخبارية

على مدار الساعة