أعلام الصحراء...محمد احيد بن سيدي عبد الرحمن الموسمي

خميس, 08/06/2020 - 08:33

وجاء عن نبينا الأواه: ... حملة القرآن أهل اللهِ

اشتُهرت قبيلة "مسومه" اللمتونية الصنهاجية الحميرية من بين قبائل الصحراء باعتنائها الفائق بعلوم القرآن، فظهر منها رجال باعوا أنفسهم لخدمة كتاب الله، وتماهوا معه حدَّ الجذب!، فكانت أحاديث أنسهم "اتزاريڭا" في مختلف فنون القرآن متشابها ورسما وضبطا ومقرأً، وكمال الفتوة عندهم من جلس بين عارفين فزرڭوه في كل مشتبه من القرآن و"اسلك"..

ورغم معرفة الناس بما توليه هذه القبيلة للقرآن وعلومه من اهتمام وتفوقهم في ذلك إلا أن هدفهم منه لم يكن شهرة عند الناس ولا استعراض عضلات به في المجالس، بل كانوا فارين به من الشهرة منزوين به عن العالم، يضربون محاظرهم في المسالك الوعرة والمواضع المنزوية عن طرق ترحال الناس، فلا يصل إليهم إلا من همه القرآن حقا، ولا يولون كبير اهتمام لتدوين ما وعوه وأحاطوا به استيعابا، بل حسبهم أن ينثروه لمن جاء يطلبه بإخلاص فلا يمضي من بين أيديهم إلا وكل غامضة منه عنده كالشمس يوم صحو، وهذا ما جعل أعلامهم في هذا الميدان مشهوري الأسماء غامضي الأخبار، لا يعلم الناس عنهم أكثر من أنهم كانوا "رجال قرآن"، ولعل لنا في العلامة الزاهد الحاج ول فحفو مثالا يقرب الصورة..

ونحن عبر هذه التدوينة نسعى لذكر أحد أعلام القرآنيين من هذه القبيلة، ممن لم يسعه إخفاء علمه، ولم تتهيأ له أسباب طمر نفسه، فكان من أسرته كرأس جبل الجليد في البحر الذي أثبت العلم أنه لا يمثل أكثر من 10% منه!

هو محمد احيد بن سيد عبد الرحمن بن محمد بن الطالب عيسى، ينتمي إلى مجموعة أهل باب عيسَ بن باب احمد بن سيد ببكر التائب الذي تنسب له القبيلة، وأمه زينب منت الطالب اعمر من مجموعة الطلابه الشهيرة في الحوض، كان والده من أئمة أهل القرآن في عصره، واشتهر في المحاظر الصحراوية باسم "صاحب الحمله" عطفا على نظم له في الحملة في الرسم، وهذا مما يدعم ما سبق وأن ذكرنا من أن هؤلاء القوم يضطر الناس أحيانا إلى تسميتهم على إنجازاتهم لعدم مجرد معرفتهم بأسمائهم.. على أنه يقع للناس -خصوصا في مناطق ما يعرف الآن بلعصابه- لبس بين سيد عبد الرحمن هذا وابن عم له آخر وسمي له هو: سيد عبد الرحمن بن أبي بكر بن الحبيب، وعزز هذا التشابه كون هذا الأخير له نظم في الحملة أيضا!

ولد محمد احيد في عشرينات القرن التاسع عشر، وتربى وتلقى تعليمه على يد والده، ونبغ في علوم القرآن وحصّل الإجازة وهو بعد مراهق، ثم أرسله والده إلى محظرة أهل أبّات القلقميين الجكنيين الشهيره فدرس الفقه وفاق فيه كذلك، وكان العلامة الشهير لمرابط محمد لمين بن احمد زيدان الجكني يقول: "لو علم الناس أنني لا أعلم شيئا علمي بالقرآن لما تجاوزوني إلى محمد احيد، ولو علموا أنه لا يعلم شيئا علمه بالفقه لما تجاوزوه إليّ"، تلك شهادة تغني عن كل ما سواها، فقد حققت كل شروط الشهادة المعتبرة شرعا..

عاد محمد احيد إلى قومه في نواحي ارڭيبه فجلس للتدريس في محظرة والده، وسرعان ما فطن الناس لتميزه النادر، فأصبحت محظرته القِبلة الأولى لمريدي إتقان ما يتعلق بالقرآن، واعتبر أهل لعصابه أن من أمكنته الدراسة فيها ولم يقم بذلك فإجازته تظل ناقصة، وذلك لما اشتهر به محمد احيد كذلك من تشدد في الإجازة وحرص على جودة مستوى طلابه، وكان ينفقهم ويتعهد أحوالهم الخاصه ويداعبهم كما أثر عنه أنه كان يقول مشجعا لهم على الإنقطاع للدرس:
والغبُّ لا يليق إلا بالإبل ... دهر الشتاء والربيع المنسبل

كما عمل على تسهيل المقررات عليهم بنظمها أحيانا وشرح منظومها أحيانا أخرى، فوضع شرحا على الدرر اللوامع في المقرأ، ونظما في الرسم أراده تبسيطا لنظم الطالب عبد اللهِ الجكني، ونظما في بيان فواصل الآي سماه: وسيلة النائل لبيان الآي والفواصل ثم وضع عليه شرحا، وألف نقلة في الوقف والإبتداء سماها "سفينة النجاة"، ونظم متشابه الألفاظ والحركات، ونظم المكي والمدني.. كما شرح في الفقه رسالة القيرواني، وألف كتابا بعنوان "جامع الفرائض" جمع فيه مقرر الضروري من العبادات..

وفي تحديد سنة وفاته خلاف على قولين: 1334هـ و1335هـ، أي أنه على كل حال توفي في العقد الثاني من القرن العشرين بالتأريخ الميلادي، رحمه الله وجعل القرآن فيه شافعا..

 

 

 

 

 

من صفحة : رائد الثقافة الصحراوي 

القسم: 

وكالة المنارة الإخبارية

على مدار الساعة