رد وتصويب لمفاهيم خاطئة يجب تصحيحها/المحامي محمد سيدي محمد المهدي

ثلاثاء, 10/29/2019 - 11:09

لقد عودنا معظم كتابنا ومؤرخينا إن لم يكن جميعهم بدءا من محمد اليدالى، مرورا بأحمد الأمين، والمختار بن حامدون ، والمختار ولد السعد ، وولد النحوى ، وولدباباه ، والطيب ولد الحسين والمغفور له جمال ولد الحسن على توجيه سهامهم الى بنى حسان بمناسبة وبدونها ، وإن كان ذلك بنسق متفاوت .

وقد وصل التنظير والتزوير والتطرف والكذب وتزييف الحقائق التاريخية الحد الذى جعل المدعو (عبدالله ولد محمد سالم ولد السيد ) يقول إن الحسانية لهجة صنهاجية ولا دخل لبنى حسان بها.
وآخر المتطاولين على بنى حسان هو مراسل الجزيرة ( باب ولد حرمه الديمانى) الذى جاء فى مقال له منشور على وسائل التواصل ، إنه يعتقد أن عملية التعريب بدأت قبل قيام دولة المرابطين ، مع بداية دخول الإسلام البلاد ، وأن قدوم بنى حسان لم يكن له من دور فيه ، لأنهم لم يأتوا بثقافة عالمة ولابأي تقاليد محمولة فى اللغة الفصحى، مضيفا أن الحسانية لم تاخذ هذا الإسم الا بعد اختلاطها بالصنهاجية ، وان اهل الحجاز لا يعتبرونها عربية.
وقال إن اهل هذه البلاد كانوا حين يقدمون انفسهم فى مصر والحجاز كجزء من العالم العربي لايفعلون ذلك مسلحين بالحسانية ،ولا باتهيدين إيكاون ، وإنما كانوا يفعلون ذلك تدعمهم معارضات امحمد بن الطلبه للشماخ وذاكرة بن التلاميذ واشعار ابن رازكه واستحضارهم للمتون الفقهية.
ثم ذكر بأن بنى حسان وإيكاون كان دورهم ، وآخرين معهم من احراطين وامعلمين ورعاة إبل وغيرهم بارزا فى صياغة ما يسمى بثقافة البيظان - التى هى فى واقع الأمر طبقا لهذا التصور ثقافة الأوباش من رعاة الإبل والغنم والبقر والحمير والزرع وجميع الأعمال التى هى عادة من اختصاص الأتباع -ولا حظ لهم فى مضمار الثقافة العربية الإسلامية. 
ولم يكتف المراسل برأيه الذى بيناه قبل قليل، وإنما حاول اقناع صاحب مقال آخر ذكر انه لولا بني حسان وإيكاون لما حصل تعريب وثقافة فى هذه المنطقة...قائلا له إن عنوان مقاله خطأ ولا يمكنه ان يكون قد قصد بالثقافة إلا ثقافة لمعلمين والرعاة التى عناها هو. 
ونظرا لحساسية هذا الموضوع وتكراره اكثر من مرة، فقد أصبح لزاما علينا معالجته معالجة سلسة ترتكز على الحقائق التاريخية لا على التنظير الفج المغلف بالتزوير والتزييف وطمس الحقائق.
وفى سبيل ذلك سيكون ردنا على دفعتين اوثلاثة تسهيلا لقراءته للمهتمين بشأنه، وسيكون شاملا للنقاط التالية :

اولا : ينبغى ان يدرك الجميع ان ما نبينه هنا هو مجرد تصحيح لمفاهيم خاطئة دأب كتابنا ومؤرخونا على ترويجها والتنظير لها معتبرين كل أذى يتم توجيهه لبنى حسان هو بمثابة المحجة البيضاء لأن بنى حسان فى نظرهم لا اعراض لهم تصان ولا يخشون من ردة فعلهم بالقلم .
ثانيا: لا نقصد مما سنكتبه توجيه الأذى لأى كائن، وإن كان ما نقدمه من أدلة لإثبات صحة أقوالنا فيه أذى للآخرين فإن عليهم أن يتذكروا جيدا أن من يتحمل ذالك هم أصحاب أقلام التنظير والتزوير والتزييف الذين آذوا عن عمد وسبق اصرار بكتاباتهم القديم منها والجديد جميع بنى حسان من أولياء وعلماء وأمراء وكرماء ونشامى وقفوا دائما لحمايتهم بعد ان اصبحوا لايتقنون لباس سراويلهم ناهيك عن التوشح بسلاحهم.
ثالثا:يقول المثل العربي ( الذى بيته من زجاج عليه ان لا يرمى بيوت الآخرين بالحجارة ) 
رابعا : ذكرت أيها المراسل كما فعل غيرك أن بنى حسان لادور لهم فى تعريب لسان أهل هذه البلاد ولاحظ لديهم فى مضمار الثقافة العربية لضعف البضاعة التى قدموا بها على المنطقة...وهذه وجهت نظر نحترمها لك لوكانت صحيحة، أما وقد أبان التاريخ عن زيفها فإننى سأقاسمك المعلومات التى تبين ذلك.
فأنت ايها المراسل جزمت بأن التعريب بدأ قبل قيام دولة المرابطين، الأمر الذى يفترض معه أن تكون نخبتهم وصفوتهم قد استفادت منه، وهذا ماتنفيه الأحداث التاريخية المثبتة بالأدلة والبراهين...فلو رجعنا قليلا بذاكرتنا إلى الوراء واستمعنا الى ما تناقله المؤرخون من كلام مؤثر دار بين ابراهيم الكدالى وابو عمران الفاسى لأدركنا دون كبير عناء ان لا وجود لثقافة عربية قبل قيام دولة المرابطين ولا حتى ثقافة إسلامية ، بل إننا لا نعدم من يبخس دور المرابطون فى المضمار الثقافى.
يقول الناصرى السلاوى فى كتابه الإستقصا: ( ...فمر فى عودته بالقيروان فلقي بها الشيخ الفقيه أبا عمران الفاسى وحضر مجلس درسه وتأثر بوعظه ، فرآه الشيخ ابو عمران محبا فى الخير فأعجبه حاله، وسأله عن اسمه ونسبه وبلده فأخبره بذلك كله واعلمه بسعة بلاده وما فيها من كثرة الخلق، فقال له الشيخ: وما ينتحلون من المذاهب؟ قال : إنهم قوم غلب عليهم الجهل وليس لهم علم فاختبره الشيخ وسأله عن فروض دينه فلم يجده يعرف منها شيئا...فقال له الشيخ وما يمنعك من تعلم العلم؟ فقال: ياسيدى عدم وجود عالم بأرضى، وليس فى بلادى من يقرأ القرآن فضلا عن العلم...).
ويقول البكرى(...وحج فى بعض السنين ولقي فى صدره عن حجه الفقيه أبا عمران الفاسى، فسأله...عن بلده وسيرته وما ينتحلون من المذاهب فلم يجد عنده علما بشيء ...فقال له: مايمنعكم من تعلم الشرع على وجهه؟ قال له : لايصل الينا إلامعلمون لاورع لهم ولا علم بالسنة عندهم...) .
ويقول الخليل النحوى : (... وفى طريق العودة مر بالقيروان سنة 426هجرية/1033ميلادية، فلقي بها الفقيه اباعمران الفاسى وشكا اليه حال قومه فى عبارات تناقلها المؤرخون ( إنا فى الصحراء منقطعون لايصل الينا الا بعض التجار حرفتهم الإشتغال بالبيع والشراء...). 
وإذا كان هذا هو حال مؤسس الدولة المرابطية، فإن وضع معلمها الأول عبدالله بن ياسين فى مجال اللغة العربية ليس افضل حالا، يقول البكرى: ( ومما يحفظ من جهل ابن ياسين أن رجلا اختصم عليه مع تاجر غريب عنهم ، فقال التاجر فى بعض مراجعته لخصمه حاش لله ان يكون ذلك فأمر عبد الله بضربه، وقال لقد قال كلاما فظيعا وقولا شنيعا يوجب عليه أشد الأدب، وكان بالحضرة رجل قيروانى، - يبدو انه الوحيد الذى كان فى المجلس يفهم العربية- فقال لعبد الله وماتنكر من مقالته والله عز وجل قد ذكر ذلك فى كتابه، فقال حكاية عن النسوة اللائي قطعن أيديهن فى قصة يوسف ( حاش لله ماهذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم ) ...فرفع الضرب عن ذلك الرجل.
هذا بالإضافة الى ما ذكره ولد النحوى نقلا عن المقرى فى كتابه نفح الطيب من جهل امير المسلمين يوسف بن تاشفين - اعز رجل عرفه المرابطون - للغة العربية وآدابها ، حيث يقول : (... لكن الإسلام ظل غريبا ، فى غياب اللغة العربية، والثقافة الدينية الرصينة ، ورغم أن الوضع قد تغير مع ظهور دولة المرابطين فإن بعض المؤرخين ظل ينظر إلى هذه الدولة نظرة ازدراء وتبخيس لعطائها الثقافى....فذكروا أن يوسف ...مدحه شعراء الفردوس المفقود فقال له المعتمد بن عباد : أيعلم أمير المسلمين ماقالوه؟ قال: لا أعلم ولكنهم يطلبون الخبز، ولما انصرف عائدا الى مراكش كتب له المعتمد فى رسالة :
بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا*شوقااليكم ولاجفت مآقينا
حالت لفقدكم أياما فغدت *سودا وكانت بكم بيضا ليالينا.

فلما قرئ عليه البيتان، قال للقارئ: أيطلب منا جوارى سودا وبيضا؟ قال: لا يا مولانا، ما أراد إلا أن ليله كان بقرب أميرالمسلمين نهارا لأن ليالى السرور بيض فعاد نهاره ببعده ليلا لأن أيام الحزن ليالى سود، فقا: اكتب له فى جوابه :إن دموعنا تجرى عليه ، ورؤوسنا توجعنا من بعده.
فإذا كان أمير المسلمين يوسف بن تاشفين اعز فتى عرفته لمتونه واقوى أمير عرفه المرابطون وازدهرت فى ظله دولتهم وعبدالله بن ياسين الأب الروحى للمرابطين لا يعرفان شيئا عن اللغة العربية وابراهيم الكدالى مؤسس هذه الدولة لايعرف شيئا عن فرض عينه فعن أي تعريب جزمت به يا استاذ باب ولد حرمه قبل قيام دولة المرابطين؟ 

 .خامسا: إذاكان هذا هو حال الثقافة العربية فى ظل دولة المرابطين فإن حالها إبان دخول بنى حسان لا يسر المستمعين.
فقد ذكر ابن حامدون الحالة السياسية والإجتماعية التى تعرب بنفسها عن الحالة الثقافية التى كانت سائدة عشية دخول بنى حسان المنطقة عازيا لفرناندس الألمانى الذى كان يكتب فى بحر القرن التاسع الهجرى، حيث يقول: ( قسم المؤلف السكان الى ثلاث طبقات اجتماعية ، العرب - وهم بنو حسان - والإثنك - وتعنى صنهاجة - والزكويون - وتعنى طبقة العبيد - )، والإثنك بدورهم قسمان ، قسم يعيش فى الجزر وعلى الشواطئ، وهم طبقة صيادى السمك ، ويسمون الشرميين، وقسم يعيش فى الداخل...ويمتلك ثروة من المواشى ( الرعاة ).
وقد تحدث المؤلف بالتفصيل عن هذين القسمين الذين - كما قال - يحتقرهما العرب جميعا ويفرضون عليهم سيطرتهم .
وقدذكر المؤلف ان الإثنك يعيشون عراة وملابسهم إن وجدت فهى من الجلود ومنازلهم اخصاص وفراشهم نباتات البحر التى يضعونها فى حفر فى الارض ينامون فيها، اما الشرميون فيسخرهم العرب فى رعي جمالهم وعلاج عبيدهم، وسكان الجزر والشواطئ من الشرميين فإنهم فى غاية البؤس يقتاتون على الأسماك والسلاحف البحرية.
هؤلاء هم السكان الذين دخل عليهم بنو حسان المنطقة، ولم نستشف مماكتب عنهم اي مظهر من مظاهر الثقافة العربية الإسلامية ، فكل إناء بما فيه ينضح ، والمكتوب يقرأ من عنوانه ؛  فلا وجود لمدارس تقصد ولا لطلاب يتلقون ولا لعلماء يحاضرون اويفتون اويقضون ولا متون تدرس ولا انشطة دينية اوثقافية تربوية ولازوايا صوفية ناهيك عن الشعر والشعراء ، فكل ماله صلة بالعلم والمعرفة والثقافة معدوم هنا و لا وجودله إلا فى مخيلة المنظرين، حتى أن اسماء القبائل المجودة عندنا الآن هى اسماء مستحدثة لاحقة لهذه الحقبة استحدثها اصحابها بعد ان أصبح لسانهم عربيا مبينا ( لازكويا  ولاشرميا ) كاستحداثهم لشجرات نسب قرشية وانصارية تبعدهم عن ماضيهم وتنسيهم انهم كانوا جزءا أساسيا من مكونات ( الزكويين ) .
وما انتحلوه من شجرات قرشية وانصارية لايضير القبائل الصنهاجية الحميرية التى اثبتنا فى كتابنا الذى سيصدر جزؤه الأول قريبا نسبها الحميرى الذى رجعنا فى تحقيقه لكوكبة من خيرة علماء النسب ممن اعتنوا بالتحقيق والتدقيق لا تنتمى لجيل واحد ولم يرتبط أي واحد منها ببلاط المرابطين، حتى أننا وجدنا من الأدلة القطعية التى تثبت حميريتهم - رغم تبربر لسانهم وعاداتهم -ما استغنينا به عن اقوال العلماء الموريتانيبن.
سادسا: بعد تحديدنا للطبقات الإجتماعية التى دخل عليها بنو حسان نتساءل عن أيها كانت تتكلم العربية؟ وايها كانت حاضنتها؟ الإثنك أم الزكويون؟
إن الجواب الشافى نجده عند جمال ولد الحسن رحمه الله الذى انصف بنى حسان فى هذه النقطة رغم مالطخ به سمعتهم فى نقاط أخرى كثيرة، فقد أجاب على السؤال  القائل: هل انتج الشناقطة ثقافة عربية اسلامية قبل العصر الحسانى؟بقوله:( إن معلوماتنا البيبلوغرافية الراهنة ، والتى لايلوح فى أفق البحث ما يشير الى أنها ستتعرض لتطور جوهرى تدل على ان الكتابة العربية الإسلامية فى بلاد شنقيط لم تسبق العصر الحسانى، فأقدم مؤلف شنقيطى معروف فى الفقه وضع فى القرن 10ه/16م ، وكذلك أول مصنف نحوى، وأول حادثة تحفظها سجلات التاريخ الشنقيطى تعود الى القرن 11ه/17م ، وأسانيد العلماء وكتب التراجم لاتذكر علما قبل هذا العصر ).ثم يسترسل الدكتور جمال فيقول: ( ولئن كان من السهل التفكير فى وجود تراث مكتوب سابق على العصر الحسانى، وعزو فقده الى عوامل الضياع والشتات ، فإنه من الممكن بالعكس من ذلك أن نفترض دخول المجتمع الشنقيطى مع العصر الحسانى فى مرحلة حضارية جديدة، برزت فيها سمات وظهرت حاجات وتجددت أحوال جعلت التراث الفكرى المكتوب يظهر بعد أن لم يكن ...والى هذا الوجه يقودنا النظر مستشعرين أن إنتاج التراث المكتوب لابد ان تسبقه مرحلة هضم واستيعاب قد لايبقى لها على وجه الصحائف أثر، ولكنه يصعب الحديث عن حياة ثقافية فى عهد لم يبق لنا منه أى دليل على وجود مدارس تقصد ، اومتون تدرس، او شيوخ يحدثون ، اوطلبة يتلقون ، ولهذا نفترض بناء على معلوماتنا البيبلوغرافية الراهنة واستنادا الى تصورنا العام لتاريخ المجال الشنقيطى أن العصر الحسانى كان من الناحية الثقافية قطيعة حاسمة مع ما قبلها، وأنه اجتمعت فيه ظروف متعددة الأوجه انتجت ثقافة عربية اسلامية واسعة الإنتشار متعددة المجالات ثرية العطاء ).
سابعا: إن تعريب هذه المنطقة وساكنتها دون رجعة يعود الفضل فيه لسيطرة بنى حسان وفرض إرادتهم السياسية فى شتى الميادين السياسية والفكرية والعسكرية، وهيمنة لغتهم الحسانية العربية على ما سواها من لهجات بربرية.
وباللغة العربية التى جاؤوا بها علموا وتعلموا ودعوا الى الله واتباع رسوله، وبها أنشئت المدارس والقى الدرس، وبها ألفت الكتب وأنشد الشعر، وبها كان التخاطب، وبها تم القضاء على البربرية حتى أضحت الحسانية هى  اللغة الوحيدة التى يلهج بها كل من على هذه الأرض من البيظان حتى أن العديد من ابناء السكان الأقدم رسوخا فى المنطقة نسي أن اجداده كانوا يتكلمون غيرها كما انساهم علمهم وشجرات نسبهم المختارة أن العديد ممن وضعوهم فى كفة واحدة مع بنى حسان ( الرعاة ولمعلمين )  ينحدرون من المشكاة التى ينحدرون هم انفسهم منها ، ولا نسب إطلاقا يربطهم ببنى حسان .
والذى لاشك فيه عندى هو ان قدوم بنى حسان على هذه المنطقة كان فتحا ثقافيا واجتماعيا وحضاريا، يعود إليه الفضل فى تعريب لسان الإثنك والزكويين والشرميين وإعادة من كان منهم عربيا إلى أصوله ولغته بعد ان تناساهما فترة ليست بالقصيرة.
ثامنا: لقد واكب العصر الحسانى ظهور نهضة علمية واسعة خلفت لنا تراثا فكريا واسعا غنيا ومكتوبا بعد ان تناول فروعا عديدة من المعارف العربية الإسلامية التى لم تكن معروفة بهذه البلاد قبل هذا العصر .
وقد دلت الأبحاث على ان الكتابة العربية لم تجد موقعها من الخارطة الموريتانية قبل العصر الحسانى؛ ولم تمدنا المصادر والبحوث والدراسات المنجزة لغاية الآن بما يشير ومن باب أولى يثبت أن الدرس اللغوى بمختلف فروعه قد ظهر فى هذه البلاد قبل القرن 10ه/16م ، بل إن هذه البحوث ترجح ظهوره لأول مرة الى هذا القرن ، وهو القرن الرابع اوالثالث على الاقل من الفتح الحسانى لهذه البلاد.

تاسعا: إن البحوث القليلة التى قام بها بعض الباحثين كالدكتور؛  محمد المختار ولد اباه، حول تعريب سكان شنقيط، قد ربطت هذا التعريب دون كبير عناء بسيطرة بنى حسان ، وهو أمر لا مراء فيه بالنسبة للدكتور جمال ولد الحسن، كما أنها تفطنت الى الإرتباط الحاصل بين سببين بارزين من اسبابه، أحدهما ديني ، والثانى اجتماعى .
أما الدين فيرجع الى الإتجاه السائد آنذاك المتمثل فى اكبار العرب والإقتداء بهم ، وهو مصاحب لإعتناق الإسلام مترسخ برسوخ ثقافته .
وأما الإجتماعى : فهو المتعلق بدلالة العروبة نسبا ولسانا وثقافة على النبل والعزة فى مقابل دلالة البربرية على الإنتماء الى قوم مهزومين فكريا وسياسيا.
وهكذا وجد بنو حسان فى السكان استعدادا لتقبل لغتهم وثقافتهم العربية العالمة، فقاموا ببذرها فيهم وكان حصادها يتمثل في ما نشاهده اليوم من تعريب شامل، حيث تنتشر اللغة العربية الحسانية بين جميع سكان البلاد من البيظان بمن فيهم الزكويين.
وقد اصبحت العربية منذ القرن الثامن الهجرى هي أداة التعبير عن حياة أهل هذه البلاد أميين كانوا أو مثقفين، وهذا ماحمل صاحب الوسيط على القول: ( إن اللهجة الحسانية اصبحت هى اللسان العام فى البلاد ، وذلك بعد ان تناسى أكثر السكان أن اسلافهم تكلموا غيرها ).

ويقول الدكتور مصطفى متولى: ( وانتشار الإسلام فى موريتانيا كان اسبق من انتشار اللغة العربية، ورغم أن تحول البربر الى الإسلام كان بطيئا نسبيا بسبب انعزالهم الحضارى، إلا انهم بمضي الوقت اصبحوا مسلمين... ويعتبر بعض المؤرخين (norris) ان قدوم بنى حسان ونجدتهم لصنهاجة من الزنوج فى القرن الخامس عشر الميلادى من أهم الأسباب التى سهلت انتشار اللغة العربية فى موريتانيا ومكنتها من ان تحل تدريجيا محل لهجات صنهاجة، والشلحية، والتماحيق، وتصبح لغة التخاطب بين غالبية السكان ، ويتكلم الموريتانيون اللغة العربية بلهجة تشبه اللهجة البدوية التى توجد فى العراق، وفى اجزاء من شبه الجزيرة العربية، وتقترب فى صورتها الراقية من اللغة العربية الفصحى، وتعرف هذه اللهجة بالحسانية نسبة الى طوائف العرب الحسانيين من نسل بنى معقل الذين غزوا جنوب المغرب فى القرن الثالث عشر الميلادى...).
وفى معرض تأكيده على قمة الرقي الذى وصلته الثقافة العربية فى بلادنا ،يقول الدكتور جمال ولد الحسن : ( إذا جاز إطلاق تسمية العصر الذهبى على فترة من تاريخ الثقافة العربية فى بلاد شنقيط فهي ولا ريب القرن الثالث عشر الهجرى...ولقد تم ذلك فى كنف تعرب عام متعمق متعاظم، لم تفتأ عوامله...تؤدى ثمارها، فإذا الحسانية تشمل البلاد كلها ، منفردة بالمستوى اليوم من الإبلاغ فى غالب الأحوال...).

لقد كانت اللغة الحسانية وبحق - كمايقول الشيخ محمد سعيد اليدالى والشيخ محمد المامى- هي قنطرة أهل هذه البلاد الى الفصحى، وهي التى أوصلتهم الى ماهم عليه الآن من ثقافة عالمة، ولولا بذرها فى هذه  المنطقة لظل سكانها الأقدمون كأبناء عمومتهم الطوارق فى كل من مالى والنيجر، ولما تمكنوا من مراسلة قناة الجزيرة بالعربية الفصحى !!

عاشرا: يتبع يوم غد إن شاء الله.
الدكتور المحامى /محمد سيدى محمد المهدى.

القسم: 

وكالة المنارة الإخبارية