مهرجان المدن القديمة: فسحة على ضفاف التاريخ../محمد فاضل محمد

ثلاثاء, 11/12/2019 - 10:18

بفضل وجود مدن تاريخية قديمة، مصنفة لدى المنظمة الأممية للتربية و العلوم و الثقافة "اليونسكو" تراثا عالميا مشتركا، فتحت موريتانيا نوافذ مشرعة على العالم الخارجي لتحكي و تقدم من خلالها لشعوب المعمورة و سكانها قصصا من كفاح الإنسان، و حكايات من فرحه و ترحه، و دروسا من فلاحه و نجاحه بعد اخفاقه و كبوته؛ و تريهم آثارا و معالم باقية من سعيه المستميت لإعمار الأرض، و نقوشه الخالدة في بناء صرح الحضارة الإنسانية. ان مدننا التاريخية، المتناثرة وسط رمال صحراء ذهبية شاسعة، شكلت امتدادا تاريخيا لثقافة الإنسان الكونية، و جسرا مورودا منح الحياة و الكرامة لأمم كثيرة مرت من هنا ذات يوم؛ و بوتقة انصهرت داخلها مكونات حسية و معنوية عديدة اهدت للعالم، من حولنا، كنوزا ثرة من العطاء الفكري و المعرفي، غطت اكثر من صعيد.
و يدرك، اليوم، معاشر المتأخرين عراقة و نصاعة مساهمة المتقدمين منا في ورشة الحضارة العالمية المفتوحة.. فبصمات القوم مرتسمة، بشموخ و كبرياء، في فن عمارتهم الجميلة و خطوطها البديعة، و بين احرف مخطوطات جلة علمائهم و مفكريهم الأعلام، و على صفحات سيوف ابطالهم و مجاهديهم الأفذاذ.
و قد كانت هذه البقاع الأثرية، في عصورها الذهبية، مدن دين و دنيا، يسمع من صدور دورها و من جنبات دروبها دوي التلاوات حدرا و ترتيلا؛ و في واحاتها الممتدة، غرس اهلها الأمل قبل الفسيلة، و قذفوا بذور حب الموطن بقلوبهم، قبل ان يذروا حب الزروع في باطن الأرض. لقد كانت ولاته، و وادان، و تيشيت، و شنقيط و غيرها، حواضرا عامرة ، و مراكزا عربية اسلامية توجه بوصلة الأحداث، و تصنع القرارات الدينية و التجارية، و تأثر اكثر مما تتأثر بمحيطها، لكونها حلقة وصل بين ثقافات و هويات مختلفة..تلاقت شخوصا و شخصيات و قوافلا على اديمها المعطاء.
و وعيا بالرمزية التاريخية لهذه الكنوز الوطنية التراثية، يقام سنويا "مهرجان المدن القديمة" بإحدها، استذكارا لماضيها المجيد، و شحنا للنفوس بطاقة ايجابية من عبق تاريخنا المجيد، نحفز بها السواعد و العقول، لتواصل السير على درب البناء المحقق لنماء شامل يودع عنفوانا في نهضة حاضر بلدنا و مستقبله.
و تستضيف "مدبنة شنقيط العريقة" نسخة هذا العام السعيد من "مهرجان المدن القديمة".. و هي، بطبيعة الحال، واحدة من اشهر و اغلى المدن الأثرية الموريتانية، و من زمن بعيد، تعدت شهرتها و صيتها المجال الجغرافي، و حتى الإقليمي، فجميع الموريتانيين سميون ل "شنقيط" ..و لذالك "شنقيط" لم تعد اسما لمكان محدد التخوم، بل غاصت دلالتها إلى اعمق من ذالك، فاصبحت نعتا متجولا، بخيلاء، في سوح الموسوعية و التبحر و الإجادة علما و كرما و نبلا، لا يقف شعره وصف و لا صفات غريمة. 
محمد فاضل محمد

 

المصدر: موقع إذاعة موريتانيا

القسم: 

وكالة المنارة الإخبارية

على مدار الساعة